Wednesday, February 22, 2012

تحقيق جريدة النهار: في لبنان 400 ألف عامل أجنبي أي أكثر من 10% من اللبنانيين


يعبرون جسورا للحياة، هرباً من جوع في بلادهم الفقيرة، ليدركهم قدرهم في غربة عن أرضهم. يلهثون وراء لقمة العيش في لبنان، فإذ بأنفاسهم تُخطف، مرة في السماء ومرات تحت الأنقاض... تضيع رفاتهم في مياه البحر المتوسط ويحاصرون تحت تربة طالما عملوا على نهوضها عمرانياً.

إنهم العمال الأجانب في لبنان، من أثيوبيين وسودانيين ومصريين وفيلبينيين وسري لانكيين... وغيرهم، يعملون ليل نهار عند مخدوميهم، وقد يموتون في الغربة ولا يستطيعون الحصول على أدنى حقوقهم.
يضعهم القدر، أيضاً، مع قضاء
عادل في إحتساب النهايات، فالموت يوحد ما بين البشر فتصبح العاملة الأثيوبية، كمخدوميها، في لحظة السقوط من السماء الى البحر، كما حدث مع سقوط الطائرة الأثيوبية قبل عامين، وهو الحادث الذي قتل فيه كل من كانوا على متنها، وعددهم 90 شخصا. وكما حصل، أيضاً، في كانون الثاني الماضي عندما إنهار مبنى سكني في العاصمة بيروت أدى الى مقتل نحو 26 شخصاً، بينهم سودانيون وأثيوبيون ومصريون وفيلبينيون.
وهؤلاء يتسوّلون أوراقهم الرسمية على أبواب الإدارات، تخافهم المستشفيات ولا تلتزم شركات التأمين تغطية نفقات علاجهم الصحي.
وتفيد التقديرات الرسمية بان حجم العمالة الأجنبية في لبنان لا يقل عن 400 ألف إلى نصف مليون شخص، في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه الأربعة ملايين نسمة.
الأسبوع الماضي لجأت الاثيوبية مسكريم إيسفا ميسراك، الناشطة في جمعية للمهاجرين في لبنان، إلى برنامج تلفزيوني لجمع تبرعات لعلاج صديقتها، قائلة "حرام ان تموت. لم ترَ أمها وأهلها منذ سنوات. نحن نسعى الى جمع 30 ألف دولار لدفع التكاليف الباهظة للمستشفى". لكن وزير الصحة اللبناني علي حسن خليل تكفل بأن تدفع الوزارة تكاليف العلاج، رغم انها لاتغطي النفقات الصحية للأجانب.

نماذج مؤسفة

يقول عثمان الصديق، العامل في احدى محطات الوقود في بيروت، "أحد اقربائي أصيب بكسور جراء إنهيار مبنى الأشرفية (في بيروت) الذي قتل فيه سبعة سودانيين، لكنه فرّ من المستشفى قبل إتمام علاجه، لأنه يخشى ملاحقته كونه دخل البلاد خلسة ولا يستطيع الحصول على الاوراق الرسمية الباهظة التكلفة".
لم ينصفهم البحر الذي إحتضن أجسادهم، ولم تكن الأرض وركامها أكثر رحمة. هي جاليات تحيا تحت سقف السقوط... ودموع ذويهم في الوطن تبقى محاصرة مخنوقة في المقل لا تجد جثمانا تبكي عليه.
تقول العاملة الأثيوبية سارة "تركت طفلتي قبل خمس سنوات، ولم أرها منذ ذلك الحين إلا عبر الصور، وأنا هنا أعمل من الصباح الباكر حتى ما بعد منتصف الليل، ولا أنام إلا خمس ساعات لقاء 150 دولارا في الشهر، أدفع منها المخابرات الهاتفية الباهظة الثمن لأطمئن عليها".
أضافت "أنا هنا أربي الأولاد وأقوم بكل الأعمال المطلوبة، ولا يمر يوم من دون توبيخي وشتمي من "المدام" (ربة المنزل)... حتى أنهم لم يسمحوا لي بالذهاب للبحث عن قريبتي التي قضت في حادث الطائرة. لقد حجزوا جواز سفري ولا استطيع المغادرة الآن".
ويسلم مسؤولون رسميون وحقوقيون وناشطون في مجال حماية الفئات المهمشة، ومن ضمنها العاملات في المنازل، بأن انتهاك حقوقهم يشكل ظاهرة مقلقة في لبنان لجهة تعرّضهم للاساءات الاقتصادية والنفسية والجسدية، واحياناً الجنسية.
وفي ظل استثنائهن من قانون العمل اللبناني تترك العاملات في المنازل فريسة للاستضعاف والانعزال والارتهان المطلق لارادة الكفيل الذي يحدد شروط العمل وآلياته.

اساءات

تقسم الناشطة في جمعية "كفى" مايا عمار الإساءات التي تتعرض لها العاملات المنزليات، الى إقتصادية تتمثل بعدم دفع رواتبهن سواء في الوقت المحدد أو بالكامل، ونفسية تتجلى في منعهن عن الإتصال بعائلاتهن او تقييد حركتها في أوقات فراغهن، ولفظية يعبّر عنها باستخدام الألفاظ المهينة والمذلة بحق العاملة او السخرية من لفظها او ملبسها او ديانتها، وجسدية تمارس عليها بالضرب والركل والحرق، وغيرها من الممارسات التعنيفية، وجنسية تبدأ بالتحرش الجنسي وتصل الى حدّ الاغتصاب.
يقول وزير العمل شربل نحاس "لدينا مشكلة كبيرة جداً في كل أوضاع العمل في لبنان. من جهة اللبنانيون يهاجرون بكثافة، ومن جهة أخرى تأتي يد عاملة اجنبية بكثافة". وأضاف "السياسة التي نعتمدها، ان على مستوى الأجور أو سياسة الإستثمارات العامة، هي إعادة تصويب الوضع لأنه من غير الطبيعي ان يكون هناك بلد أبناؤه يهاجرون، وفي الوقت عينه يجلب أولاد الناس من آخر الدنيا".
ويضيف "رقم العمالة الأجنبية لا يقل عن 400 ألف إلى نصف مليون شخص (في بلد لا يتعدى تعداد سكانه الأربعة ملايين نسمة). قسم كبير من السوريين لا نستطيع ان نحصيهم لأنهم يدخلون ويخرجون وعملهم موسمي". وقال نحاس "لبنان في الوقت عينه قوة طاردة وجاذبة للأيدي العاملة، طاردة على مستوى الكفاءات المتوسطة والعليا وجاذبة على مستوى الكفاءات المتدنية".

No comments:

Post a Comment