Monday, March 15, 2010

السفير: حقوق العاملات في المنازل رهن ضمير أرباب العمل ومكاتب الاستخدام

جريدة السفير
محلّيات
تاريخ العدد 15/03/2010

حرب لا يرى القانون ضرورة والوزارة تسدّ الثغرات باتفاقيات مع الدول المصدّرة
حقوق العاملات في المنازل رهن ضمير أرباب العمل ومكاتب الاستخدام

مادونا سمعان

بين عاملة فليبينية تتقدّم بشكوى ضدّ ربة عملها أمام المحاكم اللبنانية، وأخرى تقتلها لسبب أو لآخر، مروحة من القصص والروايات والتجارب الشخصية، تخفي في ظلالها غضباً من فقر قاد إلى خلف البحار، أو ربما فرحاً بالكدّ والتعب في كنف عائلة لا تحوّل عقدها النفسية إلى إسقاطات على من أتاها «خادماً».
مثل الفيليبينيات، حال الأثيوبيات والنيباليات والسريلنكيات، كما الآتيات من مدغشقر وبنغلادش وغيرها من البلدان المصدّرة للعمالة. قصص وتجارب مربوطة بعقد عمل ثلاثي الأطراف، لا تقف بنوده حاجزاً أمام إخلال أي طرف من الأطراف به (العاملة ومكتب العاملات وربة المنزل). وقد طوّرته وزارة العمل ومديرية الأمن العام اللبناني ليتضمّن تفاصيل عن ساعات العمل والإجازة ومكان النوم والإقامة وما شابهها من الأمور... لا سيما وأن ما من قانون ينظّم، وبالتالي يحاسب مخالفيه. لتبقى العلاقة الثلاثية رهن ضمير الأطراف المجموعة بالعقد، خاصة أنه ما من آلية موضوعة لمراقبة تنفيذه.
ولعلّ العلاقة بوزارة العمل لا تشتمل على أكثر من التنظيم اللوجستي لاستقدام العاملات وإقامتهن. فيما تشكّل سفارات دولهن وقنصلياتها مرجعية لحلّ النزاعات، إن استطاعت العاملات التواصل معها.
أخيراً، شهدت الساحة اللبنانية حراكاً دبلوماسياً، في محاولة من بعض السفراء والقناصل لكسب أكبر رزمة ممكنة من الحقوق لمواطناتهن من جهة، وللتلويح بحظرهن عن العمل في لبنان، من جهة أخرى. وقد بدأ يتكرّس، على الأقل إعلامياً، بين البلدان الأسوأ في العالم على مستوى التعامل مع المستخدمات الأجنبيات.
وقد تطوّر النشاط إلى زيارة بعض وزراء العمل لنظيرهم اللبناني، وآخرهم الأثيوبي والبنغالي، «لوضع النقاط على الحروف في ما خصّ تعامل اللبنانيين مع مواطناتهن»، وفق ما أشارت إليه مصادر معنية. ولم يتم الكشف عن فحوى البحث أو النقاط التي تمت مناقشتها خوفاً من إفساد علاقات تلك الدول مع لبنان.
على الرغم من هذا الواقع وهذا الحراك، لا يرى وزير العمل بطرس حرب ضرورة لإقرار قانون أو وضع نصوص قانونية ترعى شؤون العاملات في المنازل، حسبما قال لـ«السفير»، على أساس أن عقد العمل الموّحد «يحل كافة المشاكل إذا تمّ تطبيقه كما يجب».
وأضاف حرب أن «لبنان ليس سيّئاً في هذا المجال كما يتم وصفه ولا يجب أن نمارس سياسة جلد الذات»، مشيراً إلى حادثة قتل إحدى الفيليبينيات لشقيقة ربة المنزل حيث تعمل. وهي الحادثة التي دفعته إلى جمع المعنيين في السفارات وممثلي أصحاب المكاتب للتباحث في الأسباب وآلية معالجة المشاكل.
ولفت إلى أن سلسلة الاجتماعات التي يعقدها في الوزارة مع المعنيين تهدف إلى وضع قيود وتنظيم عمل الأجنبيات في المنازل، على أن يصار إلى خلق آلية عمل مشتركة تتحمل مسؤوليتها الوزارة والدول المعنية والأجهزة المختصة. من دون أن يغفل ملاحظات بعض السفارات كالفيليبينية التي أدّت إلى حظر استقدام مواطناتهن إلى حين وضع آلية ترسم أطر التعامل معهن.
تعمد دول عديدة إلى اعتماد سياسة الحظر ومنها أثيوبيا والنيبال كما الفيليبين... يدوم حظر بعضها لوقت طويل بينما يبدو حظر بعضها الآخر متقطعاً، ولعلّها سياسة الردع الوحيدة للممارسات اللبنانية في المجال.
من هنا، ما زالت الفيليبين تحظر استقدام العاملات إلى لبنان، بحسب سفيرها جيلبرتو آسوكي، وذلك «إلى حين التوصل إلى اتفاقية مشتركة بين الدولتين تحمي وترعى عمل الرعايا الفيليبينيات في لبنان».
وقد أشار آسوكي لـ«السفير» إلى أن الجولة الأولى من الاجتماعات بين المعنيين الفيليبينيين واللبنانيين بدأت في أيار 2009، من دون أن تؤول إلى أي اتفاقية بل إلى التوافق على استكمال المباحثات في المجال.
كانت الفيليبين حينها قد تقدّمت بمسودة اتفاقية «تنتهك السيادة اللبنانية»، بحسب تعبير مصادر معنية لبنانية، «لأنها نصتّ على أن أي خلاف بين العاملة وربة العمل في لبنان تتم معالجته وفقاً للقانون الفيليبيني».
غير أن آخر خطوات البحث اليوم بين الدولتين، هي مسودة اتفاقية أعدّها الطرف اللبناني «تعكف الفيليبين على درسها ووضع ملاحظاتها عليها لإعادتها إلى الطرف اللبناني في القريب العاجل»، وفق آسوكي الذي أكد أن عدد الشكاوى المقدمة من قبل الفيليبينيات إلى السفارة زاد عمّا سبق من سنوات.
كذلك، تنتظر أثيوبيا توقيع اتفاقية العمل بينها وبين لبنان لوقف حظر استقدام الأثيوبيات، وفق ما أعلنته وزيرة العمل الأثيوبية خلال زيارتها الأخيرة إلى لبنان.
من جهتها، تلفت مسؤولة العلاقات العامة في سفارة سريلنكا جومانا رشيد إلى أن علاقة سريلنكا مع لبنان على هذا المستوى قديمة، وأن السفارة «تعمد إلى مراقبة العلاقة القانونية بين الكفيل والعاملة السريلنكية منذ طلبها إلى حين انتهاء عقدها. كما تطلب مسبقاً معلومات عن الكفيل وعمله وعدد أفراد العائلة أو القاطنين في المنزل. كما تصرّ السفارة على إيداع الكفيل مبلغ مليون ونصف ليرة لبنانية في مصرف الإسكان، لا يمكن أن يستعيده إلا بعد نهاية عقد العمل وحصول العاملة على أجرها بالكامل».
كذلك، تعمد بنغلادش إلى مراقبة العلاقة القانونية كما الاجتماعية بين العاملة والكفيل، ويلفت قنصلها الفخري في لبنان محمد دندن إلى مطالبتها بأن «يتحمّل مكتب الخدم أو الكفيل مسؤولية سوء معاملة الفتاة طالما هي موجودة في المنزل حيث تعمل وليس فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى المعدّة للتجربة».
تفضّل القنصلية التعامل مع الكفلاء عبر المكاتب و«هذا ما يحدث في 95 في المئة من الحالات، الا في حال كان الكفيل من الناس المعروفين أو يتقن عملاً يطمئننا إلى أنه سيعامل الفتاة جيّداً أو حتى إدانته في حال أخلّ بعقد العمل أو أساء إليها»، يقول دندن. ويضيف أن همّ القنصلية الأول اليوم هو «محاربة ما أسماهم بالـ «brokers» الذين يعملون وفق مكاتب وهمية أو كأذرع لمكاتب تغرّّ بالفتيات لعمل مسيء».
من جهتها، تشنّ «نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات في لبنان» حملة على المكاتب الوهمية، خصوصاً أن عدد المكــاتب بــلغ 560 مكتباً بعد العام 2006 (في حين لم يتخطّ الـ180 مكتباً أيام الوزير طراد حمادة)، فيما تضمّ النــقابة 260 مكتباً منها.
ويلفت نقيب أصحاب المكاتب هشام برجي «السفير» إلى «وجود حوالى 150 مكتباً لا تزاول المهنة بشكلها الصحيح»، محذراً من لجوء اللبنانيين إلى التعامل مع المعلنين منها في الصحف والمجلات: «أولاً لأنها بالإعلان عن نفسها تخالف مذكرة وزارة العمل التي تحظّر الإعلان في هذا المجال تحت طائلة سحب رخصة عمل المكتب، وثانياً، لأن الإعلان بحدّ ذاته مسيء لحقوق الإنسان، وثالثاً، لأن تلك المكاتب في غالبيتها تبدّل أرقام هاتفها باستمرار منعاً لمراجعة اللبنانيين أو الأجانب في حال إخلال الطرف الآخر بالعقد».
بعيداً عن مشكلة المكاتب الوهمية، يلخّص برجي مشاكل القطاع بعدم وجود قانون يرعى وينظّم استقدام وعمل الأجنبيات في المنازل. ويسأل عن مصير لجنة شكّلها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في العام 2006 لوضع عقد عمل موحد، والتي توقفت اجتماعاتها لأسباب «بيروقراطية» كما أفيدت النقابة. وهي لجنة لم يسمع بها من قبل الوزير حرب، كما قال لـ«السفير».
ولفت برجي إلى أن الإنجاز في المجال لا يتعدى تعديل عقد العمل لدى الكاتب بالعدل «بحيث لم يكن يلحظ حقوق العاملة بشكل واضح، علماً أن ما لحظه ليس أقصى طموحنا».
ويضيف أن المذكرات الصادرة لا تكفي لضمان حقوق العاملة أو ربّ العمل أو المكتب، خصوصاً وأن «بعض المكاتب لا تعترف بفترة الثلاثة أشهر تجربة، وترفض استعادة العاملة إذا أرادت العائلة ذلك، فتضغط هذه الأخيرة عليها فتعيدها إلى بلدها قسراً أو تضيّق عليها، فتنتحر».
تتواصل النقابة مع كافة سفارات الدول «المصدّرة للعمالة» لتنظيم استقدام العاملات ووضع أطر تضمن حقوقهن: «من هنا نحاول تكثيف الاجتماعات معها، علماً أن كل ذلك لا يعوّض عن قانون ينظّم ويحمي خصوصاً أن قانون العمل اللبناني استثنى العاملات في المنازل من أحكامه فبقين من دون غطاء قانوني»، بحسب بر جي. وهو يلمح إلى أن النقابة قد تطلب حظر استقدام عاملات من إحدى الجنسيات مع تسجيل هروب عدد كبير من مواطناتها من منازل أرباب عملها للعمل ضمن شبكات خاصة، باتت معلومة تجمعاتها.
في غياب القانون، يتكفّل الضمير بصحة العاملة ومعــاملتها وإقامتها وحصولها على أجرها، أو عملها بشكل مجدّ من جهة ربّ العمل. وإذا كانت وزارة العمل قد ارتأت، ولعقود، أن لا جدوى من إقرار قانون ينظّم عمل الأجنبيات في المنازل، فإن النائب نواف الموسوي كان قد أعلن لـ«السفير « أنه سيقترح ضمّ موضوعهن إلى الخطة الوطنية لحقوق الإنسان «ليصار إلى صياغة مشروع قانون ومن ثم إقراره».
تجدر الإشارة إلى أن بعض الولايات الأميركية تحظّر مثل هذا النوع من العمل على أساس أنه نوع من «استعباد»، والعمل في المنازل لا يتعدى عدداً معيناً من الساعات، ولا يشمل الإقامة والمنامة في منزل ربّ العمل.

No comments:

Post a Comment