جريدة الأخبار، عدد الثلاثاء ٣١ آب ٢٠١٠
مرةً ثانية، يسجّل القضاء اللبناني انتصاراً في قضية تعذيب العاملات الأجنبيات. قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي أصدر قراراً ظنياً ضد امرأة رمت عاملة إثيوبية عن شرفة الطبقة الـ12 وكادت تودي بحياتها
بيسان طي
المشهد كأنه مأخوذ من فيلم رعب أميركي، امرأة تقف في شرفة مطبخها في الطبقة الثانية عشرة من مبنى مرتفع. تصرخ في وجه خادمتها، تأمرها بالجلوس أرضاً وتنقضّ على رأسها، تحمل سكيناً وتقص به شعر عاملة المنزل. يمر بعض الوقت، تنسى العاملة الفقيرة المذلّة التي تعرضت لها، لا تغادر الشرفة، تحمل الغسيل وتعمل على نشره، تقترب صاحبة المنزل منها من جديد، تأمرها بإغلاق ستائر الشرفة، تمسك بها من أسفل جسمها ثم ترميها خارج الشرفة.
المشهد كأنه مأخوذ من فيلم رعب، لكنه ينتمي إلى الحقيقة، حدث ذلك في لبنان، في بيروت تحديداً، قبل نحو عامين. يوم الاثنين 20/10/2008، سقطت العاملة الإثيوبية زبيبا ك. من شرفة منزل مشغّليها في الطبقة الـ12 من مبنى في زقاق البلاط، خلال سقوطها كسرت زجاج سقف بيت الدرج المزجّج والقسطل البلاستيكي الذي يقع تحته، واستقرت في أرضية الطبقة الثالثة من المبنى.
رغم الحادث الأليم، نجت زبيبا ك. من موت شبه محتوم، نجاتها أخذت بالملف إلى مكان لا تتمناه مشغّلتها نجاح غ.، لم يقفل الملف كما يحدث مع وفاة عاملات يسقطن عن الشرفات، ويُختَم التحقيق باعتبار موتهن «انتحاراً».
ادّعت زبيبا على مشغّلتها نجاح بمحاولة القتل، لكن المدّعى عليها كانت تردّد خلال التحقيقات بصورة دائمة أن زبيبا هي من رمت بنفسها من شبّاك غرفتها، منكرةً أن تكون العاملة قد سقطت من شرفة المطبخ، فيما كانت المدّعية تؤكد في إفاداتها أنّ نجاح غ. كانت تضربها مراراً وتكراراً، وسردت ما تعرضت له يوم سقوطها.
أمس صدر قرار ظني عن قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي في هذه القضية، قضى باعتبار فعل المدعى عليها نجاح غ. «من نوع الجناية المنصوص عنها في المادة 547/ 201 عقوبات»، أي الإقدام على محاولة القتل عمداً.
كما قضى القرار بـ«إيجاب محاكمتها (أي محاكمة المدعى عليها) أمام جانب محكمة الجنايات في بيروت، وتضمينها الرسوم والنفقات كافة».
وبالعودة إلى مجريات الحادث، والاختلافات بين إفادتي المدعية زبيبا ك. والمدعى عليها نجاح غ. نقرأ في نص القرار أنه تبيّن من مندرجات تقرير مكتب الحوادث المركزي في 8/11/2008، أنّ «نافذة غرفة الخادمة ترتفع حوالى مترين عن مستوى الأرض، وتحت مستواها من الخارج جهاز مكيّف غير متعرّض لأيّ آثار ارتطام على الإطلاق». كما تبيّن أن «رتيب التحقيق في فصيلة زقاق البلاط خلال مشاهدته المدعية في المستشفى لاحظ أن شعرها قصير للغاية، مما يدل على أن وضعه لم يكن طبيعياً وإلّا لما أورد الملاحظة». الملاحظة التي تثير الصدمة أيضاً، نقرأها في نص القرار، حيث ورد أنّ نجاح غ.
سبق أن كانت موضوع ادعاء ضدها تقدمت به عاملة فيليبينيّة «عملت لديها سابقاً»، وهو ادعاء «بجرم ضرب ومحاولة قتل»، والشكوى تمّت بموجب «المحضر رقم 1327/302 تاريخ 1/12/2006 منظّم في فصيلة زقاق البلاط»، العاملة الفيليبينيّة كانت قد أفادت «أنها كانت تتعرّض دوماً للضرب من المدعى عليها، وأنه بتاريخ الادعاء ضربتها المدعى عليها بواسطة قبضة سكين على أصابع يدها، كما حاولت دفعها من على الشرفة، لكنها فشلت وتعرّضت لها بالضرب»، ويُذكر في نص القرار الصادر عن القاضي عنيسي أنّ العاملة الفيليبينية «نالت حينها تقريراً طبياً بالتعطيل عن العمل مدة 15 يوماً مع التحفّظ، وقد اقترنت أفعال المدعى عليها بالادعاء عليها، وفقاً لأحكام المادة 555 عقوبات، ثم تراجعت العاملة الفيليبينية عن حقها الشخصي بعد تسديدها كامل مستحقاتها والتنازل عنها للغير».
يُذكر أخيراً أن العاملة الإثيوبية زبيبا ك. كانت قد أسقطت حقها الشخصي عن المدّعى عليها نجاح غ. في 4/2/2010.
يتخذ القرار الذي أصدره القاضي فادي العنيسي أهمية كبيرة، من حيث مضمونه وانتصاره لقضية عاملة فقيرة. ولكن الأهم أنه يمثّل خطوة في إطار تحقيق ما يطالب به الناشطون من أجل حقوق الإنسان. عشرات العاملات الأجنبيات يمتن سنوياً في لبنان، نسبة كبيرة منهن يفقدن حياتهن بالسقوط من الشرفات. اللافت أن التحقيقات في وفاتهنّ تُقفل بسرعة، وينتهي التحقيق إلى أن سبب الوفاة هو الانتحار.
قضية زبيبا ك. وما توصل إليه القاضي العنيسي، قد يفتح كوة في الجدار الذي رآه البعض مسدوداً، إذ إن بعض العاملين في التحقيقات الأمنية والقضائية لا يتوانون عن كيل الاتهامات إلى العاملات أنفسهنّ، في محاولة لتبرير تصرفات مستخدميهنّ، ونفي أية شبهة قد تدور حول سلوك هؤلاء.
من الأسئلة التي يجب أن تكون مدار بحث أمام الجهات الرسمية والقضائية المختصة، تلك المرتكزة على الأسباب التي تدفع بعض العاملات إلى الانتحار، إن صحت الفرضية القائلة بأنهن يقتلن أنفسهنّ.
بيسان طي
المشهد كأنه مأخوذ من فيلم رعب أميركي، امرأة تقف في شرفة مطبخها في الطبقة الثانية عشرة من مبنى مرتفع. تصرخ في وجه خادمتها، تأمرها بالجلوس أرضاً وتنقضّ على رأسها، تحمل سكيناً وتقص به شعر عاملة المنزل. يمر بعض الوقت، تنسى العاملة الفقيرة المذلّة التي تعرضت لها، لا تغادر الشرفة، تحمل الغسيل وتعمل على نشره، تقترب صاحبة المنزل منها من جديد، تأمرها بإغلاق ستائر الشرفة، تمسك بها من أسفل جسمها ثم ترميها خارج الشرفة.
المشهد كأنه مأخوذ من فيلم رعب، لكنه ينتمي إلى الحقيقة، حدث ذلك في لبنان، في بيروت تحديداً، قبل نحو عامين. يوم الاثنين 20/10/2008، سقطت العاملة الإثيوبية زبيبا ك. من شرفة منزل مشغّليها في الطبقة الـ12 من مبنى في زقاق البلاط، خلال سقوطها كسرت زجاج سقف بيت الدرج المزجّج والقسطل البلاستيكي الذي يقع تحته، واستقرت في أرضية الطبقة الثالثة من المبنى.
رغم الحادث الأليم، نجت زبيبا ك. من موت شبه محتوم، نجاتها أخذت بالملف إلى مكان لا تتمناه مشغّلتها نجاح غ.، لم يقفل الملف كما يحدث مع وفاة عاملات يسقطن عن الشرفات، ويُختَم التحقيق باعتبار موتهن «انتحاراً».
ادّعت زبيبا على مشغّلتها نجاح بمحاولة القتل، لكن المدّعى عليها كانت تردّد خلال التحقيقات بصورة دائمة أن زبيبا هي من رمت بنفسها من شبّاك غرفتها، منكرةً أن تكون العاملة قد سقطت من شرفة المطبخ، فيما كانت المدّعية تؤكد في إفاداتها أنّ نجاح غ. كانت تضربها مراراً وتكراراً، وسردت ما تعرضت له يوم سقوطها.
أمس صدر قرار ظني عن قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي في هذه القضية، قضى باعتبار فعل المدعى عليها نجاح غ. «من نوع الجناية المنصوص عنها في المادة 547/ 201 عقوبات»، أي الإقدام على محاولة القتل عمداً.
كما قضى القرار بـ«إيجاب محاكمتها (أي محاكمة المدعى عليها) أمام جانب محكمة الجنايات في بيروت، وتضمينها الرسوم والنفقات كافة».
وبالعودة إلى مجريات الحادث، والاختلافات بين إفادتي المدعية زبيبا ك. والمدعى عليها نجاح غ. نقرأ في نص القرار أنه تبيّن من مندرجات تقرير مكتب الحوادث المركزي في 8/11/2008، أنّ «نافذة غرفة الخادمة ترتفع حوالى مترين عن مستوى الأرض، وتحت مستواها من الخارج جهاز مكيّف غير متعرّض لأيّ آثار ارتطام على الإطلاق». كما تبيّن أن «رتيب التحقيق في فصيلة زقاق البلاط خلال مشاهدته المدعية في المستشفى لاحظ أن شعرها قصير للغاية، مما يدل على أن وضعه لم يكن طبيعياً وإلّا لما أورد الملاحظة». الملاحظة التي تثير الصدمة أيضاً، نقرأها في نص القرار، حيث ورد أنّ نجاح غ.
سبق أن كانت موضوع ادعاء ضدها تقدمت به عاملة فيليبينيّة «عملت لديها سابقاً»، وهو ادعاء «بجرم ضرب ومحاولة قتل»، والشكوى تمّت بموجب «المحضر رقم 1327/302 تاريخ 1/12/2006 منظّم في فصيلة زقاق البلاط»، العاملة الفيليبينيّة كانت قد أفادت «أنها كانت تتعرّض دوماً للضرب من المدعى عليها، وأنه بتاريخ الادعاء ضربتها المدعى عليها بواسطة قبضة سكين على أصابع يدها، كما حاولت دفعها من على الشرفة، لكنها فشلت وتعرّضت لها بالضرب»، ويُذكر في نص القرار الصادر عن القاضي عنيسي أنّ العاملة الفيليبينية «نالت حينها تقريراً طبياً بالتعطيل عن العمل مدة 15 يوماً مع التحفّظ، وقد اقترنت أفعال المدعى عليها بالادعاء عليها، وفقاً لأحكام المادة 555 عقوبات، ثم تراجعت العاملة الفيليبينية عن حقها الشخصي بعد تسديدها كامل مستحقاتها والتنازل عنها للغير».
يُذكر أخيراً أن العاملة الإثيوبية زبيبا ك. كانت قد أسقطت حقها الشخصي عن المدّعى عليها نجاح غ. في 4/2/2010.
يتخذ القرار الذي أصدره القاضي فادي العنيسي أهمية كبيرة، من حيث مضمونه وانتصاره لقضية عاملة فقيرة. ولكن الأهم أنه يمثّل خطوة في إطار تحقيق ما يطالب به الناشطون من أجل حقوق الإنسان. عشرات العاملات الأجنبيات يمتن سنوياً في لبنان، نسبة كبيرة منهن يفقدن حياتهن بالسقوط من الشرفات. اللافت أن التحقيقات في وفاتهنّ تُقفل بسرعة، وينتهي التحقيق إلى أن سبب الوفاة هو الانتحار.
قضية زبيبا ك. وما توصل إليه القاضي العنيسي، قد يفتح كوة في الجدار الذي رآه البعض مسدوداً، إذ إن بعض العاملين في التحقيقات الأمنية والقضائية لا يتوانون عن كيل الاتهامات إلى العاملات أنفسهنّ، في محاولة لتبرير تصرفات مستخدميهنّ، ونفي أية شبهة قد تدور حول سلوك هؤلاء.
من الأسئلة التي يجب أن تكون مدار بحث أمام الجهات الرسمية والقضائية المختصة، تلك المرتكزة على الأسباب التي تدفع بعض العاملات إلى الانتحار، إن صحت الفرضية القائلة بأنهن يقتلن أنفسهنّ.