اعتلت خمس عاملات مهاجرات في لبنان خشبة مسرح "مونو" أمس وحكين بدعوة من "كفى" قصصاً حقيقية (علي لمع)
|
الاسم ليس مهماً. «فيكم تسمّوني بارفين». هكذا بدأت السيدة البنغالية قصتها. وجدت «بارفين» نفسها في منزل عائلة لبنانية مؤلفة من سبعة أفراد. «كان يومي الأول كأنه في جهنم»، تقول السيدة الآتية من بنغلادش للعمل في المنازل لإعالة أولادها الأربعة بعد وفاة زوجها.
«لم تكن مشكلتي بكثرة الشغل، ولا بالساعات الطويلة، بل بطريقة تعاطي صاحبة العمل معي. لن أتحدث عن النوم على شرفة البيت والبرد القارس في بلدة جبلية مطلة على البحر»، قالت «بارفين».
اختارت أن تتحدث عن الجوع الذي عانت منه: «كانت مدام تعطيني 3 أوراق خس، وقطعة خبز عربي بحجم كفّ اليد».
وروت حادثة «قلي» السمك: «كان لون السمكات برتقالياً، وحجمها لا يتجاوز ثلاثة أصابع من يدي، كمشت معدتي ووجعتني وكنت ميتة من الجوع بس خفت أتذوق سمكة لأن المدام كانت تعرف عددهن».
كالعادة، منحت صاحبة العمل «بارفين» ثلاث أوراق خس مع خبزتها المعتادة، و«لكن كنت محظوظة أن أعطتني قطعة سمك». أكلت «بارفين» السمك «شوي شوي، ورحت طلبت خبزاً إضافياً حتى آكل قطعة السمك الصغيرة يلي بقيت معي». نظرت صاحبة العمل إلى «بارفين» وقالت لها «شو؟.. لا».
تصف العاملة البنغالية لياليها: «كنت نام عطول جوعانة». كنت أستيقظ في الصباح الباكر لأقطف حشائش الجنينة وأعطيها لصديقات المدام وأولادها. كنت أنظف أحياناً بيت ولدها المتزوج. في إحدى المرات عطفت علي زوجة ابنها ومنحتني صحناً كبيراً من الملوخية والأرز. «كنت كتير مبسوطة وأكلته كله». لكن فرحة «بارفين» لم تدم «عيّطت عليّ المدام واتهمتني بالكذب وأصرت أنني أنا التي طلبت الطعام من زوجة ابنها».
كانت تمضي وقتاً طويلاً في مساعدة صاحبة العمل على تحضير الحلويات، ولكن لا يُسمح لها بتناولها. أحياناً تسمح لها بتناول التالف منها، ولكن «بارفين» كانت ترميها في المهملات. بعد ثلاثة أشهر، خسرت ثلاثة كيلوغرامات من وزنها وجفت بشرتها وتشققت يداها: «ما طلبت من ألله إلا إنو يخليني موت».
بعد أربعة أشهر، لم تعد «بارفين» قادرة على التحمل: «طلبت منها تردّني ع المكتب». رفض أصحاب عملها طلبها وقالوا لها «لازم تدفعي 2500 دولار حتى نردّك»، وحبسوها على شرفة البيت من دون ماء لمدة ثلاثة أيام بعدما تمردت وتوقفت عن العمل. وبعد ذلك أرجعوها إلى المكتب. نسيت «بارفين» أن تخبر أن «المدام» لم تكن تسمح لها بالاستحمام سوى مرة في الأسبوع ومن دون «شامبو»، لأنه «ما في مَي كتير». كانت «تسرق» بعض دواء الجلي لتشعر بالنظافة.
استغلت صاحبة المكتب «بارفين» وقامت بتشغيلها في منزلها من دون مقابل، إلى أن وفقها الله «بعائلة جيدة وإنسانية». «لم يكن لديّ ملابس. أعطتني صاحبة عملي الجديدة ثياباً وألبسة داخلية وطلبت مني أن أستحمّ وأنام وأن لا أعمل في يومي الأول. قالت لي ارتاحي وبكرا منحكي». عندما تمدّدت «بارفين» على سريرها الجديد في غرفتها الخاصة في منزل صاحبة عملها الجديدة كانت تسأل نفسها «هالشي حقيقي؟ شكراً يا ألله.. أرجوك ما كون عم بحلم بس».
كان «مونو» هو المسرح، لكن الراويات لم يكنّ ممثلات. اعتلت خمس عاملات مهاجرات في لبنان خشبة مسرح «مونو»، أمس، ليحكين قصصاً حقيقية من سجل حافل بانتهاكات صغيرة وكبيرة، يمارسها بعض اللبنانيين بحقهنّ. القصص عينها وغيرها من شهادات نشرتها منظمة «كفى عنفاً واستغلالاً» في كتيب خاص حمل عنوان «لولا النظام»، في محاولة للإضاءة على الانتهاكات التي يسمح بها نظام الكفيل المطبق في لبنان. نظام الكفيل نفسه الذي يحول دون تمكن العاملات من تغيير أوضاعهن بسبب ربطهنّ بالكفيل وإرادته وإلا يصبحن «غير قانونيات».
ويأتي النشاط في إطار سلسلة من الأنشطة المستمرة اليوم وغداً لمناسبة عيد العمال. وترمي إلى «الوصول إلى اعتراف مجتمعي وقانوني بالعمل المنزلي كعمل حقيقي يستحق التقدير وحماية صاحباته والاحتفاء بهنّ في يومهنّ»، وفق مديرة قسم مكافحة الاتجار بالنساء في «كفى»، غادة جبور.
عدم تمكّن بعض العاملات من الحضور، كان جزءاً من المعاناة والانتهاكات. وعليه، قرأت «راحيل» (من إثيوبيا) قصّة صديقتها التي كتبت في رسالتها: «لمّا كانوا يقفلوا عليّ الباب كنت حسّ حالي بحبس.. كانت المدام تضربني بالنربيش، بس أنا ما كان هاممني حالي. كنت كل الوقت عم فكّر بإمي، وقدّيش عم تتعذّب من ورايي». هذه العاملة منعت لمدة عشرة أشهر من الاتصال بعائلتها، ومنعتها صاحبة عملها من الردّ على الهاتف عندما اتصلت والدتها من أثيوبيا وكذلك سفارة بلادها في لبنان.
أما الوجع الحقيقي لعاملة منزل فلا يشعر به وبقسوته سوى «عاملة المنزل نفسها، مهما بلغت درجة التعاطف والمناصرة». بهذه الطريقة عبرت رئيسة «الاتحاد الدولي لعاملات المنازل» ميرتل ويتبوي عن وجعها ووجع عاملات المنازل في العالم كله. قالت ويتبوي الآتية من جنوب أفريقيا، وبعدما بدأت حياتها كعاملة منزل في بلادها، إن القصص التي سمعتها في لبنان موجعة، وإنها تتشابه مع قصصها التي عاشتها ومع قصة كل عاملة منزل في أي مكان على الكرة الأرضية. وبعدما تحدثت عن انتهاكات تعرضت لها شخصياً كعاملة، شددت ويتبوي على أهمية أن تقود عاملات المنازل النضال بأنفسهنّ، ولكن أيضاً على تضافر الجهود بين العاملات والمجتمع المدني عموماً، والقضاة والإعلام أيضاً.
حضر إطلاق الكتيّب سفير بنغلادش في لبنان وممثلون عن عدد من السفارات الأجنبية في لبنان والقوى الأمنية، ومنظمات دولية وجمعيات أهلية وجامعات.
وقدّم المحامي رولان طوق، وهو من أوائل الذين دافعوا عن العاملات المهاجرات وساندهنّ في القضاء، مقارنة ما بين وضع العاملة المنزلية في ظل قانون العمل ونظام الكفيل. ودعا إلى إلغاء نظام الكفيل وضمّ العاملات إلى قانون العمل لوضع حدّ للانتهاكات التي تمارس بسبب نظام الكفيل. وفنّد الفروق بين النظامين، خصوصاً على صعيد آليّات الاستقدام وتكاليفها، وعقد العمل، وساعات العمل، والأجور، وأوقات الراحة والعطلة، والقدرة على التواصل مع العائلة والخارج.